- ماذا تقرأ؟
- انا لا اقرأ ابدا
- حتى الجريدة؟
- وخصوصا الجريدة، بل إني أكره الجرائد، ولم افتح يوما جريدة في حياتي. - وكيف ستعمل في مكان وانت تكره المنتج الذي يصنعه؟ - اتعلم
- تعليم الحب طريق طويل لكنه ليس مستحيلا...
- يعني ... لا توجد فرصة؟
- توجد إذا رغبت واقدمت على التعليم والتدريب في المهنة، ماذا تعمل الان؟
- اعمل طبالا في فرقة الطرب الشعبي، فرقة " قدور " هل سمعت بها؟ ثم أضاف اريد عملا يدر دخلا ثابتا ومستقرا وغير متقطع، فأنا -اصارحك القول بلا مواهب - سوى العزف على الطبلة "
- اقرأ الصحيفة أولا ثم تعال الينا ونحن سنتكفل بالباقي "
وقبل ان يغادر استدار قائلا " سأحاول.
وتقدمت الى الصحيفة شابة مغطاة بالكامل من رأسها الى أخمص قدميها، وجلست تتحدث معي عن رغبتها القوية في امتهان الصحافة، واشترطت عليها ان ترفع البوشية على الأقل كي أرى تعابير وجهها، قالت: ليخرج الشباب من الصالة أولا، وامتثلنا لأمرها وفتحت وجهها، وكانت فتاة متواضعة الجمال، قلت لها
- لماذا تغطين وجهك؟
- لان الجمال يفتن
- وجه كوجه مارلين مونرو هو الذي يفتن
- انا أجمل منها
واحتجت وقتا طويلا لأقناعها بان الوجه ضروري للتعاطي مع الصحافة والمصادر الخبرية ومقابلة الناس، لكنها أصرت الا شيء يمنع العمل الصحفي بغطاء الوجه ثم اختتمت:
- الان وفي هذا العمر وفي البيئة التي أعيش فيها فان رفع الحجاب صعب جدا، لكني سأحاول.
هكذا كان شأن الأيام في بداياتها ظلت تستقطب اشكال والوان من المبتدأين والمبتدئات بعضهم اخفق وبعضهم نجح وبعضهم حلق عاليا في سماء الشهرة ، وبعضهم اقدم على المحاولة معتقدا انها مهنة سهلة ومقدور عليها ،لذلك كنا نسميها مهنة من ليس له مهنة ولا شهادة ،اذ يكفي ان يجيد المرء اللغة العربية كتابة وتحدثا حتى يلتحق بها ويتعلم المهنة سريعا ثم تتكفل الممارسة اليومية بصقل تجربته وتدريبه على قواعدها ومحاذيرها ، ولأنها "درب زلق" فان كثيرين لم يعمروا فيها ،وغادروها مع اول تحدي، وفي حين تعامل معها آخرون كساحة للنضال وصنع التغيير وجد فيها البعض طريقا سهلا للصعود الشخصي مع ان مواهبهم لا تختلف كثيرا عن مواهب طبال فرقة قدور ،بيد ان العصر الرقمي كان قاسيا على الصحافة الورقية والتقليدية والتي لم تعد من المهن الواعدة او المستقرة الراتب كما كان يراها ذلك الشاب الفنان ،تبدلت وتحولت وصار بإمكان صحفي واحد او عدة صحفيين ان ينشؤوا صحيفة رقمية كاملة وهم جالسين على مقهى ، دون الحاجة الى مبنى او مطبعة او جهاز اداري .